بسم الله الرحمن الرحيم.. إن من أكبر الفِرَق التي كانت وما تزال وبالًا وشرًا على المسلمين على طول تاريخهم وفي جميع مراحل حياتهم.
هي فرقة الشيعة على تعدد طوائفها واختلاف نحلها، بدءًا بالسبئية أتباع بعد الله بن سبأ اليهودي، الذي كان رأسًا في إذكاء نار الفتنة والدس بين صفوف المسلمين.
والذي وصل الأمر بهم إلى تأليه علي رضي الله عنه، وقبل أن أبدأ بالموضوع لابد من مقدمة توضح الموضوع وتشرح المضمون.
أصل ابن سبأ ومنشأه:-
اختلف أصحاب المقالات والتاريخ في هوية عبد الله بن سبأ، ومن ذلك اختلفوا في بلده وقبيلته، يذكر القلقشندي في قلائد الجمان (ص 39): أن يعرب بن قحطان ولد يشجب، وولد ليشجب (سبأ) واسم سبأ هذا عبد شمس، وقد ملك اليمن بعد أبيه، وأكثر من الغزو والسبي، فسمي (سبأ) وغلب عليه حتى لم يسم به غيره، ثم أطلق الاسم على بنيه.. وهم الوارد ذكرهم في القرآن.
على أن المصادر التاريخية لا تذكر شيئًا واضحًا عن أصل السبأيين، والذي ينتسب إليهم عبد الله بن سبأ، ومن المحتمل أنهم كانوا في الأصل قبائل بدوية تتجول في الشمال ثم انحدرت نحو الجنوب إلى اليمن حوالي (800 ق م).
وهي عادة العرب في التجوال، أو نتيجة ضغط الآشوريين عليهم من الشمال، واستقروا أخيرًا في اليمن وأخذوا في التوسع. راجع: محاضرات في تاريخ العرب للدكتور صالح العلي (1/21).
ومنهم من ينسب ابن سبأ إلى (حمير)، وهي قبيلة تنسب إلى حمير بن الغوث بن سعد بن عوف بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير بن سبأ الأصغر بن لهيعة بن حمير بن سبأ بن يشجب هو حمير الأكبر، وحمير الغوث هو حمير الأدنى ومنازلهم باليمن بموضع يقال له حمير غربي صنعاء. أنظر: معجم البلدان لياقوت الحموي (2/306).
ومن الذين قالوا بذلك: ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والأهواء (5/46)، حيث يقول: والقسم الثاني من فرق الغالية يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل، فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري.
أما البلاذري في أنساب الأشراف (5/240)، والأشعري القمي في المقالات والفرق (ص 20)، والفرزدق في ديوانه (ص 242-243) فينسبون ابن سبأ إلى قبيلة (همدان)، وهمدان بطن من كهلان من القحطانية وهم بنو همدان ابن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان.
وكانت ديارهم باليمن من شرقيه. معجم قبائل العرب لرضا كحالة (3/1225). فهو (عبد الله بن سبأ بن وهب الهمداني) كما عند البلاذري، و(عبد الله بن سبأ بن وهب الراسبي الهمداني) كما عند الأشعري القمي، أما عن الفرزدق فقد ذكر نسبة ابن سبأ إلى همدان في قصيدته التي هجا فيها أشراف العراق ومن انضم إلى ثورة ابن الأشعث في معركة دير الجماجم سنة (82هـ) ويصفهم بالسبئية حيث يقول:
كأن على دير الجماجم منهم حصائد أو أعجاز نخل تقعّرا
تَعَرّفُ همدانية سبئية وتُكره عينيها على ما تنكّرا. إلى آخر القصيدة.
ويروي عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق (ص 235)، أن ابن سبأ من أهل (الحيرة)، قال: إن عبدالله بن السوداء كان يعين السبأية على قولها، وكان أصله من يهود الحيرة، فأظهر الإسلام.
ويروي ابن كثير في البداية والنهاية (7/190)، أن أصل ابن سبأ من الروم، فيقول: وكان أصله روميًا فأظهر الإسلام وأحدث بدعًا قولية وفعلية قبحه الله.
أما الطبري وابن عساكر، فيرويان أن ابن سبأ من اليمن. قال الطبري في تاريخه (4/340): كان عبدالله بن سبأ يهوديًا من أهل صنعاء. وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق (29/3): عبد الله بن سبأ الذي ينسب إليه السبئية وهم الغلاة من الرافضة أصله من أهل اليمن كان يهوديًا.
والذي أميل إليه وأرجحه هو: أن ابن سبأ من اليمن؛ وذلك أن هذا القول يجمع بين معظم أقوال العلماء في بلد ابن سبأ، ولو نظرنا في الأقوال السابقة لم مجد تعارضًا بين هذا القول وبين القول الأول الذي ينسب ابن سبأ إلى قبيلة (حمير).
والقول الثاني الذي ينسبه إلى قبيلة (همدان)، إذ القبيلتان من اليمن، ولم يخالف في أن أصل ابن سبأ من اليمن إلا البغدادي الذي ينسبه إلى (الحيرة)، وابن كثير الذي ذكر أنه (رومي) الأصل.
أما البغدادي فقد اختلط عليه ابن السوداء بابن سبأ، فظن أنهما شخصان، يقول: وقد ذكر الشعبي أن عبد الله بن السوداء كان يعين السبأية على قولها.. ثم تحدث عن ابن السوداء ومقالته في علي رضي الله عنه، إلى أن قال: فلما خشي – أي علي رضي الله عنه – من قتله – أي ابن السوداء – ومن قتل ابن سبأ الفتنة التي خافها ابن عباس، نفاهما إلى المدائن، فافتتن بهما الرعاع. الفرق بين الفرق (ص 235).
والذي ذكر أنه من أهل الحيرة هو عبد الله بن السوداء ولم يتعرض لابن سبأ بشيء، لهذا لا يمكننا أن نجزم بأن البغدادي نسب ابن سبأ المشهور في كتب الفرق ومؤسس فرقة السبأية إلى الحيرة، فلعله قصد شخصًا آخر غيره، ومما يدل على أنه لا يعني ابن سبأ، أنه قال عند حديثه عن عبد الله بن السوداء: (كان يعين السبأية على قولها)، فدل على أنه غير مؤسس السبأية.
أما ابن كثير فلا أعلم أحدًا من المؤرخين وأصحاب المقالات وافقه في نسبة ابن سبأ إلى (الروم)، وقد جاء في بعض النسخ المطبوعة من البداية والنهاية كلمة (ذميًا) بدل (روميًا) أنظر الطبعة الثانية (7/173)، فلعل أصل الكلمة ذميًا.
ولكن حدث في الكلمة تصحيف من قبل النساخ، وكون ابن سبأ ذميًا لا ينافي ما تناقله العلماء من كونه يهوديًا. ولهذا لا يعارض قوله هذا ما اشتهر نقله في كتب التاريخ والفرق من أن أصل ابن سبأ من اليمن.
فترجح بهذا أن ابن سبأ من اليمن ونحن لا نقطع بنسبته إلى قبيلة معينة لعدم توفر الأدلة على ذلك. والله أعلم.
وقد اختلف المؤرخون وأصحاب المقالات أيضًا في نسبة ابن سبأ لأبيه، فمنهم من ينسب ابن سبأ من جهة أبيه إلى (وهب) كما عند البلاذري في أنساب الأشراف (5/240)، والأشعري القمي في المقالات والفرق (ص 20) والذهبي في المشتبه في الرجال (1/346) والمقريزي في الخطط (2/356).
أما من قال أنه: (عبد الله بن وهب الراسبي) كما هو عند الأشعري القمي في المقالات (ص 20)، فلعل ذلك وقع نتيجة الخلط بين عبدالله بن سبأ هذا وبين عبد الله بن وهب الراسبي صاحب الخوارج، وهناك فرق بين الشخصيتين ما لا يخفى على مطلع، فعلى حين يكتنف شخصية ابن سبأ الغموض في المنشأ والممات، نجد شخصية الراسبي واضحة المعالم.
فهو رأس الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه، شرح صحيح مسلم للنووي (7/172)، وهو المقتول في وقعة النهروان، العبر في خبر من غبر للذهبي (1/44)، وقبل ذلك فقد عرفت حياته أكثر من ابن سبأ، فقد شارك في الفتوح – فتوح العراق – وكان مع علي ثم خرج عليه خروجًا صريحًا. أنظر آراء الخوارج لعمار الطالبي (ص 94).
ومما يؤكد الفرق بين الاسمين ما نص عليه السمعاني في الأنساب (7/24) بقوله: (عبدالله بن وهب السبئي رئيس الخوارج، وظني أن ابن وهب هذا منسوب إلى عبد الله بن سبأ).
وهناك من ينسب ابن سبأ من جهة أبيه أيضًا إلى حرب، كما فعل الجاحظ في البيان والتبيين (3/81)، وهو ينقل الخبر بإسناده إلى زحر بن قيس قال: (قدمت المدائن بعد ما ضرب علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه، فلقيني ابن السوداء وهو ابن حرب..).
ومعظم أهل العلم ينسبون ابن سبأ من جهة أبيه إلى سبأ، فيقولون: (عبد الله بن سبأ)، ومن هؤلاء البلاذري في أنساب الأشراف (3/382) ابن قتيبة في المعارف (ص 622) والطبري في التاريخ (4/340) وأبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين (1/86)، والشهرستاني في الملل والنحل (1/174)، والذهبي في الميزان (2/426) وابن حجر في لسان الميزان (3/290)، وابن عبد ربه في العقد الفريد (2/405).
وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/483)، وابن حبان في المجروحين (2/253) والجوزجاني في أحوال الرجال (ص38) والمقدسي في البدء والتاريخ (5/129) والخوارزمي في مفاتيح العلوم (ص 22) وابن حزم في الفصل في الملل والنحل (4/186) والأسفرايني في التبصرة في الدين (ص 108) وابن عساكر في تاريخ دمشق (29/3).
والسمعاني في الأنساب (7/24) وابن الأثير في اللّباب (2/98)، وغيرهم الكثير. ومن الرافضة: الناشئ الأكبر في مسائل الإمامة (ص 22- 23)، والأشعري القمي في المقالات والفرق (ص 20) والنوبختي في فرق الشيعة (ص 22).
أما نسب ابن سبأ (لأمه) فهو من أم حبشية، كما عند الطبري في التاريخ (4/326-327) وابن حبيب في المحبر (ص 308)، ولذلك فكثيرًا ما يطلق عليه (ابن السوداء) ففي البيان والتبيين (3/81): (... فلقيني ابن السوداء).
وفي تاريخ الطبري (4/326): (و نزل ابن السوداء على حكيم بن جبلة في البصرة)، وفي تاريخ الإسلام للذهبي (2/122): (ولما خرج ابن السوداء إلى مصر)، وهم بهذا يتحدثون عن عبد الله بن سبأ، ولذلك قال المقريزي في الخطط (2/356): (عبد الله بن وهب بن سبأ المعروف بابن السوداء)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (29/8) من قول علي رضي الله عنه: (من يعذرني من هذا الحميت الأسود الذي يكذب على الله ورسوله يعني ابن السوداء). ومثل هذا كثير...
وكما وقع الخلط والإشكال في نسبة ابن سبأ لأبيه، وقع الخلط وتصور من غفلوا عن هذه النسبة لأمه، أن هناك شخصين: ابن سبأ، وابن السوداء، ففي العقد الفريد لابن عبد ربه (2/241): (.. منهم عبد الله بن سبأ نفاه إلى ساباط، وعبد الله بن السوداء نفاه إلى الخازر).
ويقول الاسفرايني في التبصرة (ص 108): (و وافق ابن السوداء عبد الله بن سبأ بعد وفاة علي في مقالته هذه).
ومثل هذا وقع عند البغدادي في الفرق بين الفرق (ص 235): (فلما خشي علي من قتل ابن السوداء وابن سبأ الفتنة نفاهما إلى المدائن).
والذي يترجح من مناقشة الروايات: أن ابن سبأ غير ابن وهب الراسبي، وأنه هو نفسه ابن السوداء، والله أعلم.
ومما يحسن ذكره هنا أيضًا أن ابن سبأ كان أسود اللون، وهذا يرجح كون أمه من الحبشيات، ذكر ابن عساكر في تاريخه (29/7-8): عن عمار الدهني قال: سمعت أبا الطفيل يقول: رأيت المسيب بن نجبة أتى به ملببة – أي ملازمه- يعني ابن السوداء وعلي على المنبر.
فقال علي: ما شأنه؟ فقال: يكذب على الله وعلى رسوله، وجاء من طريق زيد بن وهب عن علي قال: ما لي ومال هذا الحميت الأسود، ومن طريق سلمة قال: سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي، قال: ما لي ومال هذا الحميت الأسود، وجاء أيضًا من طريق زيد قال: قال علي بن أبي طالب: ما لي ولهذا الحميت الأسود، يعني عبد الله بن سبأ وكان يقع في أبي بكر وعمر.
ويبقى بعد ذلك الأصل اليهودي لابن سبأ، هل هو محل اتفاق أم تتنازعه الآراء؟
يفترض المستشرق Hodgeson أن ابن سبأ ليس يهوديًا في أغلب الاحتمالات، مشايعًا في ذلك للمستشرق الإيطالي Levi Della Vida الذي يرى أن انتساب ابن سبأ إلى قبيلة عربية هي (همدان) كما في نص البلاذري الذي وقف عنده (ليفي ديلا فيدا) يمنع من أن يكون يهوديًا.
وهو كما يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي في مذاهب الإسلاميين (2/30): (استنتاج لا مبرر له، فليس هناك من تناقض بين أن يكون المرء يهوديًا وأن يكون من قبيلة عربية.
وابن قتيبة رحمه الله أشار إلى يهودية بعض القبائل كما في المعارف (ص 266) حيث يقول: (كانت اليهودية في حمير وبني كنانة وبني الحارث بن كعب وكندة.
وفوق ذلك فإن الاتجاه الغالب في يهود اليمن أن أكثرهم من أصل عربي، كما قال الدكتور جواد علي في تاريخ العرب قبل الإسلام (6/26).
ومع ذلك فليس مقطوعًا بانتساب ابن سبأ إلى همدان – كما مر معنا – وحتى لو قطع بذلك، فهل هذا الانتساب لهمدان، انتساب على الحقيقة أم بالولاء؟!
ولئن كان هذا الشك في يهودية ابن سبأ عند بعض المستشرقين، إنما جاء نتيجة اعتراض يقيني بأن ابن سبأ في تصوراته عن المهدي كان متأثرًا بالإنجيل أكثر من تأثره بالتوراة، وهو اعتراض قد يقلل من يهودية ابن سبأ، إلا أن هذا الاعتراض يضعف حينما نتبين رأي بعض الباحثين في طبيعة اليهودية في بلاد اليمن – في تلك الفترة – وأنها امتزجت فيها المسيحية بالموسوية.
وكانت يهودية سطحية، وأن يهودية ابن سبأ ربما كانت أقرب إلى يهودية (الفلاشا) وهم يهود الحبشة، وهذه اليهودية شديدة التأثر بالمسيحية الحبشية. مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي (2/28).
وهذا الأصل اليهودي لابن سبأ لم يكن محل خلاف في الروايات التاريخية، أو لدى كتب الفرق، وفي آراء المتقدمين، أمثال: الطبري وابن عساكر وابن الأثير والبغدادي وابن حزم، وأمثال شيخ الإسلام، عليه رحمه الله.
سبب الاختلاف في تحديد هوية ابن سبأ:-
لا غرابة أن يحدث هذا الاختلاف الكبير بين أهل العلم في تحديد هوية ونسب ابن سبأ، فعبد الله بن سبأ قد أحاط نفسه بإطار من الغموض والسرية التامة حتى على معاصريه، فهو لا يكاد يعرف له اسم ولا بلد، لأنه لم يدخل في الإسلام إلا للكيد له.
وحياكة المؤامرات والفتن بين صفوف المسلمين، ولهذا لما سأله عبد الله بن عامر والي البصرة لعثمان بن عفان رضي الله عنه، قال له: ما أنت؟ لم يخبره ابن سبأ باسمه واسم أبيه، وإنما قال له: إنه رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام ورغب في جوارك. تاريخ الطبري (4/326-327).
وفي رأيي أن تلك السرية التامة التي أطبقها ابن سبأ على نفسه سبب رئيسي في اختلاف المؤرخين والمحققين في نسبة ابن سبأ، وغير مستبعد أن يكون ابن سبأ قد تسمى ببعض هذه الأسماء التي ذكرها المؤرخون، بل واستعمل بعض الأسماء الأخرى المستعارة لتغطية ما قام به من جرائم ودسائس في صدر الدولة الإسلامية.
نشأة ابن سبأ:-
على ضوء ما تقدم من المعلومات السابقة – في المقال السابق-، أمكننا الوقوف على الأجواء التي نشأ فيها ابن سبأ، ونستطيع أن نحدد عدد من النقاط:-
1- بتغليب الروايات السابقة نجد أن ابن سبأ نشأ في اليمن، سواء كان من قبيلة حمير أو همدان، ولا نستطيع الجزم بأيهما.
2- كان لليهود وجود في اليمن، غير أنه لا نستطيع أن نحدد وقته على وجه الدقة، وقد رجح بعض الأساتذة أنه يرجع إلى سنة (70م) وذلك حينما نزح اليهود من فلسطين بعد أن دمرها الإمبراطور الروماني (تيتوس) وحطم هيكل (أورشليم) وعلى إثر ذلك تفرق اليهود في الأمصار ووجد بعضهم في اليمن بلدًا آمنًا فالتجأوا إليه.
وبعد أن استولى الأحباش على اليمن سنة (525م) بدأت النصرانية تدخل اليمن. اليمن عبر التاريخ لأحمد حسين (ص 158- 159).
3- على إثر هذا امتزجت تعاليم (التوراة) مع تعاليم (الإنجيل) وكانت اليهودية في اليمن يهودية سطحية. مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي (2/28).
4- ولكن اليهودية وإن ضعفت في اليمن بدخول الأحباش فيها، فإنها بقيت مع ذلك محافظة على كيانها، فلم تنهزم ولم تجتث من أصولها. تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي (6/34).
ولعلنا من خلال تلك الإشارات، نستطيع أن محدد المحيط الذي نشأ فيه عبد الله بن سبأ، والبيئة التي صاغت أفكاره، خاصة في عقيدة (الرجعة) و(الوصية) حينما قال: (لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمدًا يرجع.
وقد قال الله عز وجل إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد، فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، وإنه كان ألف نبي ووصي وكان على وصي محمد، ثم قال: محمد خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء..). تاريخ الطبري (4/340).
على كل حال فهي معلومات ضئيلة لا تروي غليلًا، ولا تهدي سبيلًا، ولعل مرد ذلك إلى المصادر التي بين أيدينا، فهي لا تكاد تبين عن نشأة ابن سبأ، كما أن المعلومات عن فتوة ابن سبأ قبل ظهوره غير موجودة، ونحن هنا مضطرون للصمت عما سكت عنه الأولون حتى تخرج آثار أخرى تزيل الغبش وتكشف المكنون.
ظهور ابن سبأ بين المسلمين:-
جاء في تاريخ الطبري (4/340) والكامل لابن الأثير (3/77) والبداية والنهاية لابن كثير(7/167) وتاريخ دمشق لابن عساكر (29/ 7-8) وغيرهم من كتب التاريخ ضمن أحداث سنة (35هـ): أن عبد الله بن سبأ كان يهوديًا من أهل صنعاء وأنه أسلم زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وأخذ يتنقل في بلاد المسلمين يريد ضلالتهم، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم بالشام، فلم يقدر على شيء فيها، فأتى مصر واستقر بها ووضع لهم عقيدتي الوصية والرجعة، فقبلوها منه وكوّن له في مصر أنصارًا ممن استهواهم بآرائه الفاسدة.
لكن أين ومتى كان أول ظهور لعبد الله بن سبأ بين المسلمين؟
جاء في البداية والنهاية لابن كثير (7/183) ضمن أحداث سنة (34هـ)، أن عبد الله بن سبأ كان سبب تألب الأحزاب على عثمان. ثم أورده في أحداث سنة (35هـ) مع الأحزاب الذين قدموا من مصر يدعون الناس إلى خلع عثمان. البداية والنهاية (7/190).
أما الطبري (4/331) وابن الأثير(3/147) فنجد عندهما ذكر لابن سبأ بين المسلمين قبل سنة (34هـ) في الكوفة، (فيزيد بن قيس) ذلك الرجل الذي دخل المسجد في الكوفة يريد خلع عامل عثمان (سعيد بن العاص) إنما شاركه وثاب إليه الذين كان ابن السوداء يكاتبهم.
وهذا يعني ظهور ابن سبأ قبل هذا التاريخ، وتكوين الأعوان الذين اجتمعوا إلى يزيد بن قيس، وتأكيد ذلك عند الطبري (4/326) وابن الأثير(3/144)، ففي سنة (33هـ) وبعد مضي ثلاث سنين من إمارة بعد الله بن عامر على البصرة يعلم بنزول ابن سبأ على (حكيم بن جبلة) وتكون المقابلة بين ابن عامر وابن السوداء والتي ذكرتها في بداية الموضوع.
ونستمر في الاستقراء فنجد ظهورًا لابن سبأ بين المسلمين قبل هذا التاريخ، ففي الطبري (4/283) وابن الأثير (3/114)، وضمن حوادث سنة (30هـ) يرد ابن السوداء الشام، ويلتقي بأبي ذر ويهيجه على معاوية – وسنأتي على تحقيق القول في قضية تأثير ابن سبأ على أبي ذر فيما بعد-.
ابن سبأ في الحجاز:-
لما كان ظهور ابن سبأ في الحجاز قبل ظهوره في البصرة والشام، فلابد أن يكون قد ظهر في الحجاز قبل سنة (30هـ)، لأن ظهوره في الشام كان في هذا التاريخ، وفي الحجاز لا تكاد تطالعنا الروايات التاريخية على مزيد من التفصيل، ولعل في هذا دلالة على عدم استقرار أو مكث لابن سبأ في الحجاز.
عدا ذلك المرور في طريقه التخريبي، لكنه كما يبدو لم يستطع شيئًا من ذلك فتجاوز الحجاز إلى البصرة. تاريخ الطبري (4/340-341).
ظهوره في البصرة:-
وفي البصرة كان نزول ابن سبأ على (حكيم بن جبلة العبدي)، وخبره كما ورد في الطبري (4/ 326): (لما مضى من إمارة ابن عامر ثلاث سنين بلغه أن في عبد القيس رجلًا نازلًا على حكيم بن جبلة، وكان حكيم رجلًا لصًا إذا قفلت الجيوش خنس عنهم، فسعى في أرض فارس فيغير على أهل الذمة.
ويتنكر لهم ويفسد في الأرض ويصيب ما يشاء ثم يرجع، فشكاه أهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان، فكتب إلى عبد الله بن عامر أن احبسه ومن كان مثله فلا يخرج من البصرة حتى تأنسوا منه رشدًا، فحبسه فكان لا يستطيع أن يخرج منها، فلما قدم ابن السوداء نزل عليه، واجتمع إليه نفر فطرح لهم ابن السوداء ولم يصرح، فقبلوا منه واستعظموه.
وبقية خبر الطبري يفيدنا أنه لقي آذانًا صاغية في البصرة، وإن كان لم يصرح لهم بكل شيء، فقد قبلوا منه واستعظموه، وشاء الله أن تحجم هذه الفتنة ويتفادى المسلمون بقية شرها وذلك حينما بلغ والي البصرة ابن عامر خبر ابن سبأ، فأرسل إليه ودار بينهما هذا الحوار:
(ما أنت؟ فأخبره أنه رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام والجوار، فقال ابن عامر: ما يبلغني ذلك! اخرج عني، فأخرجه حتى أتى الكوفة. تاريخ الطبري (4/326-327).
ظهوره في الكوفة:-
الذي يبدو أن ابن سبأ بعد إخراجه من البصرة وإتيانه الكوفة، لم يمكث بها طويلًا حتى أخرجه أهلها منها، كما في بقية خبر الطبري (4/327): (فخرج حتى أتى الكوفة، فأخرج منها فاستقر بمصر وجعل يكاتبهم ويكاتبونه، ويختلف الرجال بينهم).
لكنه وإن كان قد دخل الكوفة ثم أخرج منها سنة (33هـ)، إلا أن صلته بالكوفة لم تنته بإخراجه، فلقد بقيت ذيول الفتنة في الرجال الذين بقي يكاتبهم ويكاتبونه. الطبري (4/327) وابن الأثير (3/144).
ظهوره في الشام:-
في ظهور ابن سبأ في الشام يقابلنا الطبري في تاريخه نصان، يعطي كل واحد منهما مفهومًا معينًا، فيفيد النص الأول أن ابن سبأ لقي أبا ذر بالشام سنة (30هـ) وأنه هو الذي هيجه على معاوية حينما قال له: (ألا تعجب إلى معاوية! يقول المال مال الله، كأنه يريد أن يحتجزه لنفسه دون المسلمين؟ وأن أبا ذر ذهب إلى معاوية وأنكر عليه ذلك). تاريخ الطبري (4/283).
بينما يفهم من النص الآخر: أن ابن سبأ لم يكن له دور يذكر في الشام، وإنما أخرجه أهلها حتى أتى مصر، بقوله: (أنه لم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام) تاريخ الطبري (4/340).
ويمكننا الجمع بين النصين في كون ابن سبأ دخل الشام مرتين، كانت الأولى سنة (30هـ)، وهي التي التقى فيها بأبي ذر، وكانت الثانية بعد إخراجه من الكوفة سنة (33هـ)، وهي التي لم يستطع التأثير فيها مطلقًا، ولعلها هي المعنية بالنص الثاني عند الطبري.
كما ويمكننا الجمع أيضًا بين كون ابن سبأ قد التقى بأبي ذر سنة (30هـ)، ولكن لم يكن هو الذي أثر عليه وهيجه على معاوية، ويرجح هذا ما يلي:-
1- لم تكن مواجهة أبي ذر رضي الله عنه لمعاوية رضي الله عنه وحده بهذه الآراء، وإنما كان ينكر على كل من يقتني مالًا من الأغنياء، ويمنع أن يدخر فوق القوت متأولًا قول الله تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة} [التوبة 34]
2- حينما أرسل معاوية إلى عثمان رضي الله عنه يشكو إليه أمر أبي ذر، لم تكن منه إشارة إلى تأثير ابن سبأ عليه، واكتفى بقوله: (إن أبا ذر قد أعضل بي وقد كان من أمره كيت وكيت..). الطبري (4/283).
3- ذكر ابن كثير في البداية (7/170، 180) الخلاف بين أبي ذر ومعاوية بالشام في أكثر من موضع في كتابه السابق، ولم يرد ذكر ابن سبأ في واحد منها، وإنما ذكر تأول أبي ذر للآية السابقة.
4- ورد في صحيح البخاري (2/111) الحديث الذي يشير إلى أصل الخلاف بين أبي ذر ومعاوية، وليس فيه أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى ابن سبأ، فعن زيد بن وهب قال: (مررت بالربذة، فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه.
فقلت له ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذلك، وكتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني، فكتب إليّ عثمان أن اقدم المدينة، فقدمتها، فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريبًا فذاك الذي أنزلني هذا المنزل..).
5- وفي أشهر الكتب التي ترجمت للصحابة، أوردت المحاورة التي دارت بين معاوية وأبي ذر ثم نزوله الربذة، ولكن شيئًا من تأثير ابن سبأ على أبي ذر لا يذكر. الاستيعاب لابن عبد البر (1/214) وأسد الغابة لابن الأثير (1/357) والإصابة لابن حجر (4/62).
6- وأخيرًا فإنه يبقى في النفس شيء من تلك الحادثة؛ إذ كيف يستطيع يهودي خبيث حتى ولو تستر بالإسلام أن يؤثر على صحابي جليل كان له من فضل الصحبة ما هو مشهود.
ظهور ابن سبأ في مصر:-
على ضوء استقراء النصوص السابقة، يكون ظهور ابن سبأ في مصر بعد خروجه من الكوفة، وإذا كان ظهوره في البصرة سنة (33هـ)، ثم أخرج منها إلى الكوفة، ومن الكوفة استقر بمصر، فإن أقرب توقيت لظهور ابن سبأ في مصر يكون في سنة (34هـ)، لأن دخوله البصرة وطرحه لأفكاره فيها وتعريجه على الكوفة ثم طرده منها، واتجاهه بعد ذلك إلى مصر..
كل هذا يحتاج إلى سنة على الأقل، ويؤكد هذا ابن كثير في البداية والنهاية (7/284)، فيضع ظهور ابن سبأ في مصر ضمن أحداث سنة (34هـ)، وتابعه في ذلك السيوطي أيضًا في حسن المحاضرة (2/164)، حيث أشار إلى دخول ابن سبأ مصر في هذا التاريخ.
عبد الله بن سبأ حقيقة أم خيال؟
إن تشكيك بعض الباحثين المعاصرين في عبد الله بن سبأ وأنه شخصية وهمية وإنكارهم وجوده لا يستند إلى الدليل العملي، ولا يعتمد على المصادر المتقدمة، بل هو مجرد استنتاج يقوم على أراء وتخمينات شخصية تختلف بواعثها حسب ميول واتجاهات متبنيها، ويمكن القول إن الشكاك والمنكرين لشخصية ابن سبأ هم طائفة من المستشرقين، وفئة من الباحثين العرب، وغالبية الشيعة المعاصرين.
ومن العجب أن هؤلاء المستشرقين وذيولهم من الرافضة والمستغربين في عصرنا أنكروا شخصية عبد الله بن سبأ، وأنه شخصية وهمية لم يكن لها وجود، فأين بلغ هؤلاء من قلة الحياء والجهل، وقد ملأت ترجمته كتب التاريخ والفرق، وتناقلت أفعاله الرواة وطبقت أخباره الآفاق.
لقد اتفق المؤرخون والمحدثون وأصحاب كتب الفرق والملل والنحل والطبقات والأدب والأنساب الذين تعرضوا للسبئية على وجود شخصية عبد الله بن سبأ الذي ظهر في كتب أهل السنة- كما ظهر في كتب الشيعة- شخصية تاريخية حقيقية.
ولهذا فإن أخبار الفتنة ودور ابن سبأ فيها لم تكن قصرا على تاريخ الإمام الطبري واستنادا إلى روايات سيف بن عمر التميمي فيه، وإنما هي أخبار منتشرة في روايات المتقدمين وفي ثنايا الكتب التي رصدت أحداث التاريخ ألإسلامي، وآراء الفرق والنحل في تلك الفترة، إلا أن ميزة تاريخ الإمام الطبري على غيره أنه أعزرها مادة وأكثرها تفصيلا لا أكثر.
ولهذا كان التشكيك في هذه الأحداث بلا سند وبلا دليل، إن يعني الهدم لكل تلك الأخبار، والتسفيه بأولئك المخبرين والعلماء، وتزييف الحقائق التاريخية.
فمتى كانت المنهجية ضربا من ضروب الاستنتاج العقلي المحض في مقابل النصوص الروايات المتضافرة؟ وهل تكون المنهجية في الضرب صفحًا والإعراض عن المصادر الكثيرة المتقدمة والمتأخرة التي أثبتت لابن سبأ شخصية واقعية!
وفي ما يلي ذكر عدد من المحاور والتي تدور حول ورود أي ذكر لعبد الله بن سبأ أو السبئية – طائفته- في الكتب والمصادر المتقدمة (السنية والشيعية، المتقدمة منها والمعاصرة)؛ لأن ورود أي ذكر للسبئية دليل على انتسابها له، وهذا دليل بدوره على وجود ابن سبأ في الحقيقة، مع الرد على محاولات التشكيك في وجود عبد الله بن سبأ، وما ينسب إليه من أعمال، وسأتّبع فيه الترتيب الزمني للأحداث:-
أولًا: من أثبت وجود عبد الله بن سبأ من الفرقين:
أ – عبد الله بن سبأ عند أهل السنة:-
1- جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همدان (ت 84هـ) في ديوانه (ص 148) وتاريخ الطبري (6/83) وقد هجى المختار بن أبي عبيد الثقفي وأنصاره من أهل الكوفة بعدما فرّ مع أشراف قبائل الكوفة إلى البصرة بقوله:
شهدت عليكم أنكم سبئية * وأني بكم يا شرطة الكفر عارف
2- وجاء ذكر السبئية في كتاب الإرجاء للحسن بن محمد بن الحنفية (ت95هـ) – راجع كتاب ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي للدكتور سفر الحوالي (1/345- 361)، حيث تحدث عن معنى الإرجاء المنسوب للحسن، وذكر كلام أهل العلم في ذلك فليراجع للأهمية – ما يلي: (و من خصومة هذه السبئية التي أدركنا، إذ يقولون هُدينا لوحي ضل عنه الناس). رواه ابن أبي عمر العدني في كتاب الإيمان (ص 249).
3- وهناك رواية عن الشعبي (ت 103هـ) ذكرها ابن عساكر في تاريخه (29/7)، تفيد أن: (أول من كذب عبد الله بن سبأ).
4- وهذا الفرزدق (شيعي الولاء سني المذهب) (ت 116هـ) يهجو في ديوانه (ص 242-243)، أشارف العراق ومن انضم إلى ثورة عبد الرحمن بن الأشعث في معركة دير الجماجم، ويصفهم بالسبئية، حيث يقول:
كأن على دير الجماجم منهم * حصائد أو أعجاز نخل تَقَعّرا
تَعَرّفُ همدانية سبئية * وتُكره عينيها على ما تنكرا
رأته مع القتلى وغيّر بعلها * عليها تراب في دم قد تعفّرا
أراحوه من رأس وعينين كانتا * بعيدن طرفا بالخيانة أحزرا
من الناكثين العهد من سبئية * وإما زبيري من الذئب أغدرا
ولو أنهم إذ نافقوا كان منهم * يهوديهم كانوا بذلك أعذرا
ويمكن الاستنتاج من هذا النص أن السبئية تعني فئة لها هوية سياسية معنية ومذهب عقائدي محدد بانتمائها إلى عبد الله بن سبأ اليهودي المعروف، صاحب المذهب.
5- وقد نقل الإمام الطبري في تفسيره (3/119) رأيًا لقتادة بن دعامة السدوسي البصري (ت 117هـ)، في النص التالي: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون م تشابه منه ابتغاء الفتنة} [آل عمران 7]، وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية قال: (إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري).
6- وفي الطبقات الكبرى لابن سعد (ت 230هـ) ورد ذكر السبئية وأفكار زعيمها وإن لم يشر إلى ابن سبأ بالاسم. الطبقات (3/39).
7- وجاء عند ابن حبيب البغدادي (ت 245هـ) في المحبر (ص 308)، ذكر لعبد الله بن سبأ حينما اعتبره أحد أبناء الحبشيات.
8- كما روى أبو عاصم خُشيش بن أصرم (ت 253هـ)، خبر إحراق علي رضي الله عنه لجماعة من أصحاب ابن سبأ في كتابه الاستقامة. أنظر: منهاج السنة لابن تيمية (1/7).
9- وجاء في البيان والتبيين (3/81) للجاحظ (من كبار زعماء المعتزلة) (ت 255هـ)، إشارة إلى عبد الله بن سبأ.
وخبر إحراق علي بن أبي طالب رضي الله عنه لطائفة من الزنادقة تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح والسنن والمساند. أنظر على سبيل المثال: سن أبي داود (4/126) والنسائي (7/104) والحاكم في المستدرك (3/538).
10-فقد ذكر الإمام البخاري (ت 256هـ) في كتاب استتابة المرتدين من صحيحه (8/50) عن عكرمة قال: (أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تعذبوا بعذاب الله)، ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه).
ومن الثابت تاريخيًا أن الذين حرقهم علي رضي الله عنه هم أتابع عبد الله بن سبأ حينما قالوا بأنه الإله.
11- ذكر الجوزجاني (ت 259هـ) في أحوال الرجال (ص 38) أن السبئية غلت في الكفر فزعمت أن عليًا إلهًا حتى حرقهم بالنار إنكارًا عليهم واستبصارًا في أمرهم حين يقول:
لما رأيت الأمر أمرًا منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا.
12- ويقول ابن قتيبة (276هـ) في المعارف (ص 267): (السبئية من الرافضة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ). وفي تأويل مختلف الحديث (ص 73) يقول: (أن عبد الله بن سبأ ادّعى الربوبية لعلي، فأحرق علي أصحابه بالنار.
13- ويذكر البلاذري (ت 279هـ) ابن سبأ من جملة من أتوا إلى علي رضي الله عنه يسألونه من رأيه في أبي بكر وعمر، فقال: أو تفرغتم لهذا. أنساب الأشراف (3/382).
14- ويعتبر الإمام الطبري (ت 310هـ) من الذي أفاضوا في تاريخهم من ذكر أخبار ابن سبأ معتمدًا في ذلك على الإخباري سيف بن عمر. تاريخ الطبري (4/283، 326، 331، 340، 349، 398، 493 – 494، 505).
15- وأكد ابن عبد ربه (ت 328هـ) أن ابن سبأ وطائفته السبئية قد غلوّ في علي حينما قالوا: هو الله خالقنا، كما غلت النصارى في المسيح ابن مريم عليه السلام. العقد الفريد (2/405).
16- ويذكر أبو الحسن الأشعري (ت 330هـ) في مقالات الإسلاميين (1/85) عبد الله بن سبأ وطائفته من ضمن أصناف الغلاة، إذ يزعمون أن عليًا لم يمت، وأنه سيرجع إلى الدنيا فيملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا.
17- ويذكر ابن حبان (ت 354هـ) في كتاب المجروحين (2/253): (أن الكلبي سبئيًا من أصحاب عبد الله بن سبأ، من أولئك الذين يقولون: إن عليًا لم يمت، وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة).
18- يقول المقدسي (ت 355هـ) في كتابه البدء والتاريخ (5/129): (إن عبد الله بن سبأ قال للذي جاء ينعي إليه موت علي بن أبي طالب: لو جئتنا بدماغه في صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه).
19- ويذكر الملطي (ت 377هـ) في كتابه التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع (ص 18) فيقول: (ففي عهد علي رضي الله عنه جاءت السبئية إليه وقالوا له: أنت أنت!!، قال: من أنا؟ قالوا: الخالق البارئ، فاستتابهم، فلم يرجعوا، فأوقد لهم نارًا عظيمة وأحرقهم.
20- وذكر أبو حفص ابن شاهين (ت 385هـ) أن عليًا حرّق جماعة من غلاة الشيعة ونفى بعضهم، ومن المنفيين عبد الله بن سبأ. أورده ابن تيمية في منهاج السنة (1/7).
21- ويذكر الخوارزمي (ت 387هـ) في كتابه مفاتيح العلوم (ص 22)، أن السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ.
22- ويرد ذكر عبد الله بن سبأ عند الهمذاني (ت 415هـ) في كتابه تثبيت دلائل النبوة (3/548).
23- وذكر الغدادي (ت 429هـ) في الفرق بين الفرق (ص 15 وما بعدها): أن فرقة السبئية أظهروا بدعتهم في زمان علي رضي الله عنه فأحرق قومًا منهم ونفى ابن سبأ إلى سباط المدائن إذ نهاه ابن عباس رضي الله عنهما عن قتله حينما بلغه غلوه فيه وأشار عليه بنفيه إلى المدائن حتى لا تختلف عليه أصحابه، لاسيما وهو عازم على العودة إلى قتال أهل الشام.
24- ونقل ابن حزم (ت 456هـ) في الفصل في الملل والنحل (4/186): (و القسم الثاني من الفرق الغالية الذين يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري لعنه الله، أتوا إلى علي بن أبي طالب فقالوا مشافهة: أنت هو، فقال لهم: ومن هو؟ فقالوا: أنت الله، فاستعظم الأمر وأمر بنار فأججت وأحرقهم بالنار).
25- يقول الأسفرايني (ت 471هـ) في التبصرة في الدين (ص 108): (إن ابن سبأ قال بنبوة علي في أول أمره، ثم دعا إلى ألوهيته، ودعا الخلق إلى ذلك فأجابته جماعة إلى ذلك في وقت علي).
26- ويتحدث الشهرستاني (ت548هـ) في الملل والنحل (2/116، 155) عن ابن سبأ فيقول: (و منه انشعبت أصناف الغلاة)، ويقول في موضع آخر: (إن ابن سبأ هو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي).
27- وينسب السمعاني (ت 562هـ) في كتابه الأنساب (7/24) السبئية إلى عبد الله بن سبأ.
28- وترجم ابن عساكر (ت 571هـ) في تاريخه (29/3) لأبن سبأ بقوله: عبد الله بن سبأ الذي تنسب إلى السبئية، وهم الغلاة من الرافضة، أصله من اليمن، وكان يهوديًا وأظهر الإسلام.
29- ويقول نشوان الحميري (ت 573هـ) في كتابه الحور العين (ص 154): (فقالت السبئية إن عليًا حي لم يمت، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا، ويردّ الناس على دين واحد قبل يوم القيامة).
30- ويؤكد فخر الدين الرازي (ت 606هـ) في كتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص 57)، كغيره من أصحاب المقالات والفرق خبر إحراق علي لطائفة من السبئية.
31- ويذكر ابن الأثير (ت 630هـ) في كتابه اللباب (ص 2/98) ارتباط السبئية من حيث النسبة بعبد الله بن سبأ. كما وأنه أورد روايات الطبري بعد حذف أسانيدها في كتابه الكامل (3/114، 144، 147، 147، 154 إلى غيرها من الصفحات).
32- وذكر السّكْسَكي (ت 683هـ) في كتابه البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان: (أن ابن سبأ وجماعته أول من قالوا بالرجعة إلى الدنيا بعد الموت).
33- ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 727هـ) أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق، وأظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليه، وادعى العصمة له. أنظر مجموع الفتاوى (4/435) و(28/483) وفي كثير من الصفحات في كتابه: منهاج السنة النبوية.
34- ويرد ذكر عبد الله بن سبأ عند المالقي (ت 741هـ) في كتابه التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان (ص 54)، بقوله: (و في سنة ثلاث وثلاثين تحرك جماعة في شأن عثمان رضي الله عنه.. وكانوا جماعة منهم، مالك الأشتر، والأسود بن يزيد.. وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء.
35- وعند الذهبي (ت 748هـ) في كتابه المغني في الضعفاء (1/339) وفي الميزان (2/426): (عبد الله بن سبأ من غلاة الشيعة، ضال مضل)، وذكره أيضًا في تاريخ الإسلام (2/122-123).
36- وذكر الصفدي (ت 764هـ) في كتبه الوافي بالوفيات (17/20) في ترجمة ابن سبأ: (عبد الله بن سبأ رأس الطائفة السبئية.. قال لعلي أنت الإله، فنفاه إلى المدائن، فلما قتل علي رضي الله عنه زعم ابن سبأ أنه لم يمت لأن فيه جزءًا إلهيًا وأن ابن ملجم إنما قتل شيطانًا تصوّر بصورة علي، وأن عليًا في السحاب، والرعد صوته، والبرق سوطه، وأنه سينزل إلى الأرض).
37- وذكر ابن كثير (ت 774هـ) في البداية والنهاية (7/183) أن من أسباب تألب الأحزاب على عثمان ظهور ابن سبأ وصيرورته إلى مصر، وإذاعته على الملأ كلامًا اخترعه من عند نفسه.
38- وجاء في الفرق الإسلامية (ص 34) للكرماني (ت 786هـ) أن عليًا رضي الله عنه لما قتل زعم عبد الله بن سبأ أنه لم يمت، وأن فيه الجزء الإلهي.
39- ويشير الشاطبي (ت 790هـ) في كتابه الاعتصام (2/197) إلى أن بدعة السبئية من البدع الاعتقادية المتعلقة بوجود إله مع الله، وهي بدعة تختلف عن غيرها من المقالات.
40- وذكر ابن أبي العز الحنفي (ت 792هـ) في شرح العقيدة الطحاوية (ص 578) أن عبد الله بن سبأ أظهر الإسلام وأراد أن يفسد دين الإسلام كما فعل بولص بدين النصرانية.
41- ويعرف الجُرجاني (ت 816هـ) في كتابه التعريفات (ص 79) عبد الله بن سبأ بأنه رأس الطائفة السبئية.. وأن أصحابه عندما يسمعون الرعد يقولون: عليك السلام يا أمير المؤمنين.
42- ويقول المقريزي (ت 845هـ) في الخطط (2/356-357): (أن عبد الله بن سبأ قام في زمن علي رضي الله عنه مُحدِثًا القول بالوصية والرجعة والتناسخ).
43- وقد سرد الحافظ بن حجر (ت 852هـ) في كتابه لسان الميزان (3/290) أخبار ابن سبأ من غير طريق سيف بن عمر، ثم قال: (و أخبار عبد الله بن سبأ شهيرة في التواريخ، وليس له رواية والحمد لله).
44- وذكر العيني (ت 855هـ) في كتابه عقد الجمان (9/168): (أن ابن سبأ دخل مصر وطاف في كورها، وأظهر الأمر بالمعروف، وتكلم في الرجعة، وقررها في قلوب المصريين.
45- وأكد السيوطي (ت 911هـ) في كتابه لب الألباب في تحرير الأنساب (1/132) نسبة السبئية إلى عبد الله بن سبأ.
46- وذكر السفارني (ت 1188هـ) في كتابه لوامع الأنوار (1/80) ضمن فرق الشيعة فرقة السبأية وقال: (و هم أتباع عبد الله بن سبأ الذي قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنت الإله حقًا، فأحرق من أصحاب هذه المقالة من قدر عليه منهم فخدّ لهم أخاديد وأحرقهم بالنار.
47- ويروي الزُّبيدي (ت 1205هـ) أن سبأ الوارد في حديث فروة بن مُسيك المرادي هو والد عبد الله بن سبأ صاحب السبئية من الغلاة. تاج العروس (1/75-76)، وكلام الزبيدي هذا غير مقبول ويرده حديث فروة بن مسيك، راجع صحيح سنن أبي داود (برقم (3373) والترمذي (برقم 3220) كتاب تفسير سورة سبأ.
وفي الحديث زيادة تفصيل أن سبأ رجل من العرب ولد له عشرة من الأنبناء: سكن منهم ستة في اليمن وأربعة في الشام، وهم أصول القبائل العربية: لخم وجذام وغسان.. الخ، مما يدل على أن سبأ رجل متقدم جدًا من أصول العرب، فما علاقة ذلك بسبأ والد عبد الله صاحب السبئية؟!
48- وتحدث عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي (ت 1239هـ) في كتابه مختصر التحفة الاثنى عشرية (ص 317) عن ابن سبأ بقوله: (و من أكبر المصائب في الإسلام في ذلك الحين تسليط إبليس من أبالسة اليهود على الطبقة الثانية من المسلمين فتظاهر لهم بالإسلام وادعى الغيرة على الدين والمحبة لأهله..
وإن هذا الشيطان هو عبد الله بن سبأ من يهود صنعاء، وكان يسمى ابن السوداء، وكان يبث دعوته بخبث وتدرج ودهاء.
49- ومحمد صديق حسن خان (ت 1307هـ) في خبيئة الأكوان في افتراق الأمم على المذاهب والأديان (ص 8، 33، 44).
هذا ما تيسر جمعه من أقوال العلماء، ومن سلف الأمة، وهناك الكثير غيرهم، وكلها تأكد وتجمع على ثبوت شخصية عبد الله بن سبأ اليهودي بكونه حقيقة لا خيال، وكوني آثرت ذكر المتقدمين، لأنه إذا ثبت عندهم؛ فهم أعرف منا، لأنه تسنى لهم الاطلاع على الكثير من الكتب التي تعد في زمننا هذا في عداد المفقود.
فهم الأصل الذي نحن عيال عليه، نقتبس منه ونثبت، كما وأن هناك الكثير من المثبتين لهذه الشخصية من المعاصرين، راجع للأهمية كتاب: العنصرية اليهودية وآثارها في المجمع الإسلامي والموقف منها للدكتور أحمد بن عبد الله بن إبراهيم الزغيبي (2 / 530-531)، حيث ذكر عددًا كبيرًا من المثبتين لشخصية ابن سبأ من المعاصرين.
ب – المثبتين لشخصية ابن سبأ من الشيعة:-
1- ورد في تاريخ الطبري (5/193) على لسان أبي مخنف – لوط بن يحيى – (ت 157هـ) وهو يصف معقل بن قيس الرياحي والذي كلفه المغيرة بن شعبة والي معاوية على الكوفة بقتال المستورد بن علفة الخارجي وأصحابه، فيصفه بأنه من السبئية المفترين الكذابين.
2- الأصفهاني (ت 283هـ) ذكره الدكتور أحمد الزغيبي في كتابه العنصرية اليهودية (2/528).
3- أورد الناشئ الأكبر (ت 293هـ) في كتابه مسائل الإمامة (ص 22-23) ما يلي: (و فرقة زعموا أن عليًا رضي الله عنه حي لم يمت، وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه، وهؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان عبد الله بن سبأ رجلًا من أهل صنعاء يهوديًا.. وسكن المدائن..).
4 – ونقل القمي (ت 301هـ) في كتابه المقالات والفرق (ص 20 طهران 1963 م تحقيق الدكتور محمد جواد مشكور فيروي) أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وادّعى أن عليًا أمره بذلك.
و(أن السبئية قالوا للذي نعاه (أي علي بن أبي طالب): كذبت ياعدو الله لو جئتنا والله بدماغه خربة فأقمت على قتله سبعين عدلًا ما صدقناك ولعلمنا أن لم يمت ولم يقتل وإن لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض ثم مضوا …)
5- ويتحدث النوبختي (ت 310هـ) في كتابه فرق الشيعة (ص 23) عن أخبار ابن سبأ فيذكر أنه لما بلغ ابن سبأ نعي علي بالمدائن، قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلًا لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض.
ويقول في (ص 44) وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبدالله بن سبأ كان يهوديًا فأسلم ووالى عليًا عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي بعد موسى على نبينا وآله وعليهما السلام بالغلو فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام.
وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه. يقول النوبختي: فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهود.
6- ويقول أبو حاتم الرازي (ت 322هـ) في كتابه الزينة في الكلمات الإسلامية (ص 305): (أن عبد الله بن سبأ ومن قال بقوله من السبئية كانوا يزعمون أن عليًا هو الإله، وأنه يحيي الموتى، وادعوا غيبته بعد موته.
7- وروى الكشي (ت 340هـ) في الرجال (ص 98-99) بسنده إلى أبي جعفر محمد الباقر قوله: أن عبد الله بن سبأ كان يدّعي النبوة، ويزعم أن أمير المؤمنين – عليه السلام – هو الله، تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا. وهناك أقوال مشابه عن جعفر الصادق وعلي بن الحسين تلعن فيها عبد الله بن سبأ في (ص 70، 100) من نفس الكتاب.
ويروي الكشي في (رجال الكشي ص 98 ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات كربلاء) بسنده إلى أبي جعفر (أن عبدالله بن سبأ كان يدعي النبوة وزعم أن أمير المؤمنين هو الله تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا فبلغ ذلك أمير المؤمنين فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال: نعم أنت هو وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأني نبي فقال له أمير المؤمنين: ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار والصواب أنه نفاه بالمدائن …)
8- ويذكر أبو جعفر الصدوق بن بابويه القمي (ت 381هـ) في كتاب من لا يحضره الفقه (1/213)، موقف ابن سبأ وهو يعترض على علي رضي الله عنه رفع اليدين إلى السماء أثناء الدعاء.
9- وجاء عند الشيخ المفيد (ت 413هـ) في كتاب شرح عقائد الصدور (ص 257) ذكر الغلاة من المتظاهرين بالإسلام – يقصد السبئية – الذين نسبوا أمير المؤمنين علي والأئمة من ذريته إلى الألوهية والنبوة، فحكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل والتحريق بالنار.
10- وقال أبو جعفر الطوسي (ت 460هـ) في كتبه تهذيب الأحكام (2/322) أن ابن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو.
11- ابن شهر آشوب (ت 588هـ) في مناقب آل أبي طالب (1/227-228).
12- وذكر ابن أبي الحديد (ت 655هـ) في شرح نهج البلاغة (2/99) ما نصه: (فلما قتل أمير المؤمنين – عليه السلام – أظهر ابن سبأ مقالته، وصارت له طائفة وفرقه يصدقونه ويتبعونه.
13- وأشار الحسن بن علي الحلّي (ت 726هـ) في كتابه الرجال (2/71) إلى ابن سبأ ضمن أصناف الضعفاء.
14- ويرى ابن المرتضى (ت 840هـ) – وهو من أئمة الشيعة الزيدية-، أن أصل التشيع مرجعه إلى ابن سبأ، لأنه أول من أحدث القول بالنص في الإمامة. تاج العروس لابن المرتضى (ص 5، 6).
15- ويرى الأردبيلي (ت 1100هـ) في كتاب جامع الرواة (1/485) أن ابن سبأ غال ملعون يزعم ألوهية علي ونبوته.
16- المجلسي (ت 1110هـ) في بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (25/286-287).
17- يقول نعمة الله الجزائري (ت 1112هـ) في كتابه الأنوار النعمانية (2/234): (قال عبد الله بن سبأ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أنت الإله حقًا فنفاه علي عليه السلام إلى المدائن وقيل إنه كان يهوديًا فأسلم وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وفي موسى مثل ما قال في علي.
18- طاهر العاملي (ت 1138هـ) في مقدمة مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار في تفسير القرآن (ص 62).
19- وعند المامقاني (ت 1323هـ) في كتابه تنقيح المقال في أحوال الرجال (2/183) جاء ذكر ابن سبأ ضمن نقولات عدة ساقها المؤلف من مصادر شيعية متقدمة عليه.
20- أما محمد حسين المظفري (ت 1369هـ) وهو من الشيعة المعاصرين الذين لا ينكرون وجود ان سبأ وإن كان ينفي أن يكون للشيعة به أي اتصال. تاريخ الشيعة (ص 10).
21- أما الخوانساري فقد جاء ذكر ابن سبأ عنده على لسان جعفر الصادق الذي لعن ابن سبأ لاتهامه بالكذب والتزوير. روضات الجنات (3/141).
ثانيًا: المنكرون وجود عبد الله بن سبأ من الفريقين:
أ – المنكرون لوجود ابن سبأ من أهل السنة ومن حسب عليهم:-
1 – الدكتور: طه حسين، يقف طه حسين عل رأس الكتّاب المحدثين الذين شككوا في وجود ابن سبأ بل وأنكروه. أنظر كتاب الفتنة الكبرى – عثمان – (ص 132)، وعلي وبنوه (ص 90). يذكر أن زوجة طه حسين وسكرتيره (و كلاهما نصرانيان) ذكرا أن طه حسين تنصر في باريس!
2- الدكتور: علي سامي النشار، وهو يأتي بعد طه حسين في إنكاره لشخصية ابن سبأ واعتبارها شخصية وهمية. راجع كتاب نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام (2/ 38 – 39).
3- الدكتور: حامد حنفي داود، وهو من الذين تأثروا بكتابات الشيعة حول شخصية ابن سبأ فأنكر وجودها، وذلك عندما قام بكتابة المقدمة المتعلقة بكتاب (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى) ومن ضمن ما قال: (و أخيرًا يسرني أن أعلن إعجابي بهذا السفر الجليل لصاحبه العلامة المحقق السيد مرتضى العسكري).
أما رأيه في عبد الله بن سبأ فأوضحه بقوله: (و لعل أعظم هذه الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين وغمّ عليهم أمرها فلم يفقهوها ويفطنوا إليها هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة حين لفقوا عليهم قصة عبد الله بن سبأ فيما لفقوه من قصص. (1/ 18، 21).
وضمن كتابه: التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية (ص 18).
4 – وهناك أيضًا الدكتور: محمد كامل حسين في كتابه: أدب مصر الفاطمية (ص 7).
5 – وأيضًا: عبد العزيز الهلابي في كتابه عبد الله بن سبأ (ص 73)، حيث حجب هذا الشخص الغموض الذي أثاره غيره من المشككين في وجود ابن سبأ فلازم الإنكار.
6 – والشيء بالشيء يذكر يعتبر الأستاذ حسن بن فرحان المالكي (شيعي المذهب) تلميذ المذكور أعلاه من المنكرين لوجود ابن سبأ، وفي أحيان أخرى ينكر دور ابن سبأ في الفتنة. راجع كلامه في جريدة المسلمون الأعداد (657، 658).
7- ومن المنكرين والمتشكيين والمترددين في إثبات ونفي شخصية عبد الله بن سبأ، الدكتور: جواد علي في مقال له بعنوان (عبد الله بن سبأ) منشور في مجلة المجمع العلمي العراقي المجلد السادس (ص 84، 100) وأيضًا في مجلة الرسالة العدد (778) (ص 609-610).
8- وأيضًا الدكتور: محمد عمارة (من مؤيدي المعتزلة والمرجئة) في كتابه الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية (ص 154-155)، فيقول: (وتنسب أغلب مصادر التاريخ والفكر الإسلامي إلى ابن السوداء هذا نشاط عظيمًا وجهدًا خرافيًا)، ويقول: (فإن وجود ابن سبأ على فرض التسليم بوجوده) إلى غيرها من النقولات.
9- والدكتور: عبد الله السامرائي في كتابه الغلو والفرق الغالية في الحضارة الإسلامية (ص 86)، إلا أنه يثبت وجود الأفكار التي تنسب إلى عبد الله بن سبأ، من غير جزم بوجود صاحبها.
ب- المنكرون لوجود ابن سبأ من الشيعة:-
1- محمد الحسين كاشف الغطاء، في كتابه أصل الشيعة وأصولها (ص 61) يقول: (على أنه لا يستبعد أن يكون هو – أي عبد الله بن سبأ – ومجنون بني عامر وأبو هلال.. وأمثالهم أحاديث خرافية وضعها القصاص لتزجية الفراغ وشغل أوقات الناس).
2- مرتضى العسكري وله كتابان في هذا الموضوع، ينفي فيهما وجود ابن سبأ من الأصل، ويعتبر مرتضى هذا من أكثر الشيعة المحدثين اهتمامًا بمسألة عبد الله بن سبأ. الكتاب الأول بعنوان: (عبد الله بن سبأ بحث حول ما كتبه المؤرخون والمستشرقون ابتداء من القرن الثاني الهجري). ورمز له بالجزء الأول. الكتاب الثاني بعنوان: (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى).
3- محمد جواد مغنيه، وقد ذكر ذلك في تقديمه لكتاب عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى لمرتضى العسكري (1/12). وكتاب التشيع (ص 18).
4- الدكتور علي الوردي، في كتاب وعاظ السلاطين (ص 273- 276)، يقول: (يخيل إلى أن حكاية ابن سبأ من أولها إلى آخرها كانت حكاية متقنة الحبك رائعة التصوير)، ويعتبر علي الوردي صاحب بدعة القول بأن ابن السوداء وهو عمار بن ياسر رضي الله عنه، (ص 278).
5 – عبد الله الفياض في كتابه تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة (ص 95)، يقول: (يبدوا أنابن سبأ كان شخصية إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة).
6- الدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتاب الصلة بين التصوف والتشيع (ص 41)، وقد تابع الدكتور علي الوردي في كلامه حول كون عمار بن ياسر هو ابن السوداء، (ص 88).
7 – طالب الرفاعي في التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية (ص 20).
ولعل هذا النفي شبه الجماعي من قبل أولئك الباحثين الشيعة لشخصية عبد الله بن سبأ، هو بغرض نفي التأثير اليهودي في عقائد الشيعة، وتبرئة ساحتهم من عبد الله بن سبأ، ولكن أنى لهم ذلك.
وقد أعجبتني مقولة للدكتور سعدي الهاشمي يقول فيها: (و بهذه النقول والنصوص الواضحة المنقولة من كتب القوم (الشيعة) تتضح لنا حقيقة شخصية ابن سبأ اليهودي، ومن طعن من الشيعة في ذلك فقد طعن في كتبهم التي نقلت لعنات الأئمة المعصومين – عندهم – على هذا اليهودي (ابن سبأ).
ولا يجوز ولا يتصور أن تخرج اللعنات من المعصوم على مجهول، وكذلك لا يجوز في معتقد القوم تكذيب المعصوم). ابن سبأ حقيقة لا خيال (ص 76).
جـ – المثبتون لوجود ابن سبأ من المستشرقين:-
اهتم المستشرقون بمسألة عبد الله بن سبأ ودرسوا ما جاء عنه، ونحن لسنا بحاجة إلى قيام أمثال هؤلاء الحاقدين لإثبات شخصية ابن سبأ لنثبت شخصيته بدورنا، لكن تطرقت لذكرهم فقط من باب بيان أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، كما فعل أبي هريرة رضي الله عنه عندما تعلم فضل سورة آية الكرسي من إبليس لعنه الله. البخاري مع الفتح (4/487- 488).
1- المستشرق الألماني: يوليوس فلهاوزن (1844- 1918 م)، يقول: (ومنشأ السبأية يرجع إلى زمان علي والحسن، وتنسب إلى عبد الله بن سبأ وكما يتضح من اسمه الغريب فإنه كان أيضًا يمنيًا والواقع أنه من العاصمة صنعاء، ويقال أنه كان يهوديًا). في كتابه: الخوارج والشيعة (ص 170-171).
2- المستشرق: فان فلوتن (1866- 1903 م)، يرى أن فرقة السبأية ينتسبون إلى عبد الله بن سبأ فيقول: (وأما السبأية أنصار عبد الله بن سبأ الذي كان يرى أحقية علي بالخلافة منذ أيام عثمان، فكان يعتقدون أن جزءًا إلهيًا تجسد في علي ثم في خلفائه من بعده. السيادة العربية والشيعية والإسرائيليات في عهد بني أمية (ص 80).
3- المستشرق الإيطالي: كايتاني (1869-1926 م)، يخلص هذا المستشرق في بحثه الذي نشره في حوليات الإسلام الجزء الثامن من سنة (33-35هـ) إلى أن ابن سبأ موجود في الحقيقة لكنه ينكر روايات سيف بن عمر في تاريخ الطبري والتي تشير إلى أن المؤامرة التي أطاحت بعثمان ذات أسباب دينية، كما وأنه ينكر أن تكون آراء ابن سبأ المؤلهة لعلي قد حدثت في أيامه، وينتهي إلى القول بأن هذه الآراء وليدة تصورات الشيعة في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة.
4- المستشرق: ليفي ديلافيدا (المولود عام 1886م)، حيث مرّ بعبد الله بن سبأ وهو يتحدث عن خلافة علي من خلال كتاب أنساب الأشراف للبلاذري.
5- المستشرق الألماني: إسرائيل فريد لندر، وقد كتب مقالًا عن عبد الله بن سبأ في المجلة الآشورية العددين من سنة (1909م، ص 322) و(1910م، ص 23) بعنوان: (عبد الله بن سبأ مؤسس الشيعة وأصله اليهودي) وقد خلص في بحثه هذا الذي يربوا على الثمانين صفحة إلى القول بأنه لا يتشكك مطلقًا في شخصية ابن سبأ.
6 – المستشرق المجري: جولد تسيهر (1921م)، يقول: (كما أن الإغراق في تأليه علي الذي صاغه في مبدأ الأمر عبد الله بن سبأ). في كتابه: العقيدة والشريعة في الإسلام (ص 205).
7- رينولد نكلس (1945م)، يقول في كتابه تاريخ الأدب العربي (ص 215): (فعبد الله بن سبأ الذي أسس طائفة السبأيين كان من سكان صنعاء اليمن، وقد قيل إنه كان من اليهود وقد أسلم في عهد عثمان وأصبح مبشرًا متجولًا).
8- داويت. م. رونلدسن، يقول: (فقد ظهر منذ زمن عثمان داعية متنقل اسمه عبد الله بن سبأ قطع البلاد الإسلامية طولًا وعرضًا يريد إفساد المسلمين كما يقول الطبري). عقيدة الشيعة (ص 85).
9- المستشرق الإنجليزي: برنارد لويس، فهو يرى أن عبد الله بن سبأ هو أصل التشيع. راجع كلامه في كتابه: أصول الإسماعيلية (ص 86).
هذه أهم الكتابات الاستشراقية في موضوع عبد الله بن سبأ، وهناك غير هؤلاء الكثير، راجع للأهمية كتاب: عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور سليمان العودة (ص 73).
أما المنكرون لشخصية ابن سبأ من المستشرقين، فهم فئة قليلة والذين وقفوا في شخصية ابن سبأ وأصبحت عندهم مجرد خرافة ومحل شك، وليس هناك من داع لذكرهم، لعدم انتشار أفكارهم بخلاف المثبتين فهم من المستشرقين المعروفين والذين يعتمد عليهم الكثير ممن تأثر بفكر الاستشراق.
وكان هدف هؤلاء المستشرقين من ذلك التشكيك أو الإنكار هو ادعاء أن الفتن إنما هي من عمل الصحابة أنفسهم، وأن نسبتها إلى اليهود أو الزنادقة هو نوع من الدفاع عن الصحابة لجأ إليها الإخباريون والمؤرخون المسلمون ليعلقوا أخطاء هؤلاء الصحابة على عناصر أخرى.
على أن إنكار بعضهم لشخصية ابن سبأ إنما يرجع إلى رغبتهم في الانتهاء إلى النتيجة التالية: لا حاجة لمخّرب يمشي بين الصحابة، فقد كانت نوازع الطمع وحب الدنيا والسلطة مستحوذة عليهم، فراحوا يقاتلون بعضهم عن قصد وتصميم، والقصد من ذلك الإساءة إلى الإسلام وأهله.
وإلقاء في روع الناس أن الإسلام إذا عجز عن تقويم أخلاق الصحابة وسلوكهم وإصلاح جماعتهم بعد أن فارقهم الرسول صلى الله عليه وسلم بمدة وجيزة، فهو أعجز أن يكون منهجًا للإصلاح في هذا العصر. أنظر: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة للدكتور: محمد أمحزون (1/314).
ثالثًا: أسباب إنكار إبن سبأ عند بعض المبطلين:
أولًا: قالوا: إعراض المؤرخين عن ذكر ابن سبأ أو ابن السوداء في حرب صفين، وكونه غاب عنها، وكيف له أن يغيب عن هذا المعركة وهو الذي كان يصول ويجول في حرب الجمل، لهذا لم يستطع المؤرخون الإجابة على هذا السؤال المحير! وهذا مما يدل على أن غير موجود.
الرد عليه: إن المؤرخين عند حديثهم عن موضوع معين لا يلتزمون بذكر كل تفاصيل ما جرى في الأحداث والوقائع التي ذكروها في كتبهم، هذا على افتراض مشاركة ابن سبأ في حرب صفين، وعلى افتراض عدم مشاركته في حرب صفين، هل يعد ذلك دليلًا على عدم وجوده، فيعارض به ما أثبته المؤرخون من وجود ابن سبأ وما كان له من دور؟!
وفي اعتقادي أن هذه الشبهة لا تقوى على ما أثبته المؤرخون والمحققون من سنة وشيعة من وجود ابن سبأ.
ثانيًا: قالوا: إن أخبار ابن سبأ إنما انتشرت بين الناس عن طريق الطبري، والطبري أخذها عن سيف بن عمر، إذًا فسيف هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ، وسيف هذا كذاب ضعفه علماء الجرح والتعديل.
الرد عليه وسيكون على ثلاثة فروع:-
أ – كون الطبري هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ، وهذه الأخبار جميعها جاءت من طريق سيف بن عمر.
الرد: هذه شبهة باطلة إذ لم ينفرد الطبري وحده بروايات سيف، بل هناك روايات لسيف تتحدث عن ابن سبأ لا توجد عند الطبري، ومثاله:
1- من طريق ابن عساكر (ت 571هـ) في تاريخه (29/9)، وقد أورد رواية من طريق سيف بن عمر ليست عند الطبري.
2- من طريق المالقي (ت 741هـ) في كتابه التمهيد والبيان (ص 54) وقد أورد رواية ليست عند الطبري من طريق سيف بن عمر.
3- من طريق الذهبي (ت 748هـ) في كتابه تاريخ الإسلام (2/122-123) وهذه الرواية أيضًا غير موجودة في الطبري.
فهذه الطرق الثلاثة تدلنا على أن الطبري لم ينفرد بروايات سيف بن عمر عن ابن سبأ، وأنه ليس المصدر الوحيد لهذه الأخبار.
ب – كون سيف بن عمر هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ.
الرد:
هذه الشبهة أيضًا غير صحيحة، فقد ثبتت روايات ذكر فيها ابن سبأ لم يكن سيف في سندها، وإن الذي يتبين لنا من خلال البحث والتنقيب أن سيف بن عمر ليس هو المصدر الوحيد لأخبار عبد الله بن سبأ، وسأورد هنا عدد من النصوص لابن عساكر تذكر ابن سبأ لا ينتهي سندها إلى سيف بن عمر.
وقد اخترت تاريخ ابن عساكر بالذات لأنه يعتمد في روايته للأخبار على السند كما هو حال الطبري في تاريخه.
الرواية الأولى:
ذكرها ابن عساكر بسنده إلى الشعبي، قال: أول من كذب عبد الله بن سبأ.
الرواية الثانية:
ذكرها ابن عساكر بسنده إلى عمار الدهني، قال: سمعت أبا الطفيل يقول: رأيت المسيب بن نجبة أتى به يلببة- يعني ابن السوداء-، وعلي على المنبر، فقال علي: ما شأنه؟ فقال: يكذب على الله وعلى رسوله.
الرواية الثالثة:
ذكرها ابن عساكر بسنده إلى زيد بن وهب عن علي قال: ما لي وما لهذا الحميت الأسود؟.
الرواية الرابعة:
ذكرها ابن عساكر بسنده إلى شعبة عن سلمة قال: قال سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي عليه السلام قال: ما لي وما لهذا الحميت الأسود؟.
الرواية الخامسة:
ذكرها ابن عساكر بسنده إلى شعبة عن سلمة بن كهيل عن زيد قال: قال علي بن أبي طالب ما لي ولهذا الحميت الأسود؟- يعني عبد الله بن سبأ – وكان يقع في أبي بكر وعمر.
الرواية السادسة:
ذكرها ابن عساكر بسنده إلى سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي الكندي قال: رأيت عليًا كرم الله وجهه وهو على المنبر، وهو يقول: من يعذرني من هذا الحميت الأسود، الذي يكذب على الله ورسوله؟- يعني ابن السوداء – لولا أن لا يزال يخرج عليّ عصابة تنعى عليّ دمه كما أدّعيت عليّ دماء أهل النهر، لجعلت منهم ركامًا.
الرواية السابعة:
ذكرها ابن عساكر بسنده إلى أبو الأحوص عن مغيرة عن سماك قال: بلغ عليا أن ابن السوداء ينتقص أبا بكر وعمر، فدعا به، ودعا بالسيف- أو قال: فهمّ بقتله- فكُلّم فيه، فقال: لا يساكني ببلد أنا فيه. قال: فسيره إلى المدائن. تاريخ دمشق لابن عساكر (29/ 7-10).
للمزيد حول ورود روايات عبد الله بن سبأ من غير طريق سيف بن عمر راجع ما ذكرناه سابقًا.
جـ – كون سيف بن عمر (ت 180هـ) كذاب ضعفه علماء الجرح والتعديل.
الرد: مكانة سيف بن عمر (ت 180هـ) بين الجرح والتعديل، حتى تكون الصورة واضحة للقارئ.
أولًا: سيف بن عمر محدثًا:-
يقول النسائي في الضعفاء والمتروكين (ص 14): (سيف بن عمر الضبي ضعيف). وذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/278) أن سيف بن عمر: (متروك الحديث، يشبه حديثه حديث الواقدي). وعند ابن معين في نفس المصدر (2/278) أن سيفًا ضعيف الحديث. وذكره الذهبي فيمن له رواية في الكتب الستة، واكتفى بالقول: (ضعفه ابن معين وغيره).الكاشف (1/416).
وفي المغني في الضعفاء (ص 292) قال الذهبي: (سيف بن عمر التميمي الأسدي له تواليف متروك باتفاق). وعند ابن حجر في التقريب (1/344): (سيف ضعيف الحديث). ويقول ابن حبان في المجروحين (1/345): (سيف بن عمر الضبي الأسدي من أهل البصرة اتهم بالزندقة.. يروي الموضوعات عن الأثبات).
هذا بالنسبة لسيف بن عمر وكونه محدثًا، لكن فما عساه يكون إخباريًا مؤرخًا؟!
هنا لابد وقبل أن أذكر أقوال أهل العلم فيه أن أنبه أنه لابد من التفريق بين رواية (الحديث) ورواية الأخبار الأخرى، فعلى الأولى تبنى الأحكام وتقام الحدود، فهي تتصل مباشرة بأصل من أصول التشريع، ومن هنا تحرز العلماء –رحمهم الله – في شروط من تأخذ عنه الرواية، لكن يختلف الأمر بالنسبة لرواية الأخبار.
فهي وإن كانت مهمة – لاسيما حينما يكون مجالها الإخبار عن الصحابة – إلا أنها لا تمحص كما يمحص الحديث، ومن هنا فلا بد من مراعاة هذا القياس وتطبيقه على (سيف) بكونه محدثًا، وإخباريًا. راجع للأهمية كتاب: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة محمد أمحزون (1/82-143) فقد تحدث عن هذا الموضوع فأجاد.
نعود إلى كتب الرجال نفسها فنجد الآتي:-
يقول الذهبي في ميزان الاعتدال (2/255): (كان إخباريًا عارفًا). ويقول ابن حجر في تقريب التهذيب (1/344): (عمدة في التاريخ). أما اتهام ابن حبان لسيف بالزندقة فيجيب عنه ابن حجر في التقريب (1/344) بقوله: (أفحش ابن حبان القول فيه). ولا يصح اتهام سيف بالزندقة دون دليل، إذ بكيف نفسر رواياته في الفتنة وحديثه عما جرى بين الصحابة، فأسلوبه الذي روى به تلك الأحداث أبعد ما يكون عن أسلوب الزنادقة، وهو الذي فضح وهتك ستر الزنادقة أمثال ابن سبأ!!
وبعد هذا لا يشك أحد أن رواية سيف مرشحة على غيره من الإخباريين أمثال أبي مخنف والواقدي وابن الكلبي، وغيرهم الكثير، فإن روايات سيف تتفق وتنسجم مع الروايات الصحيحة المروية عن الثقات، علاوة على أنها صادرة ومأخوذة عمن شاهد تلك الحوادث أو كان قريبًا منها.
للمزيد حول هذا الموضوع راجع كتاب: استشهاد عثمان ووقعة الجمل رواية سيف بن عمر، للدكتور خالد بن محمد الغيث (ص 19- 40)، وعبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور:سليمان العودة (ص 104- 110).
ثالثًا: قالوا: لم يكن لابن سبأ وجود، وإنما هو في الحقيقة شخصية رمزت لعمار بن ياسر، ثم ساقوا عدد من الدعائم التي تؤيد هذا القول، منها:-
1- كان ابن سبأ يعرف بابن السوداء، وعمار كان يكنى بابن السوداء أيضًا.
2- كلاهما من أب يماني، وينسبون إلى سبأ بن يشجب أصل أهل اليمن.
3- كلاهما كان شديد الحب لعلي، ومن محرضي الناس على بيعته.
4- ذهاب عمار إلى مصر أيام عثمان وأخذ يحرض الناس على عثمان، ومثل هذا ينسب إلى ابن سبأ.
5- ينسب إلى ابن سبأ القول بأن عثمان أخذ الخلافة بغير حق، وأن صاحبها الشرعي هو علي، وهذا نفسه كان يقول به عمار.
6- ويشترك الاثنان في عرقلة مساعي الصلح في معركة الجمل.
7- قالوا عن ابن سبأ أنه هو المحرك لأبي ذر في دعوته الاشتراكية! وصلة عمار بأبي ذر وثيقة جدًا.
الرد: هذا الرأي الذي خلصوا إليه، إنما يدل على جهل صاحبه، وهذا الرأي ترده كتب الجرح والتعديل وكتب الرجال الموثقة عند الشيعة، فهي تذكر عمار بن ياسر ضمن أصحاب علي والرواة عنه، وهو أحد الأركان الأربعة عندهم، ثم هي تذكر في موضع آخر ترجمة عبد الله بن سبأ في معرض السب واللعنة. أنظر: رجال الطوسي (ص 46، 51) ورجال الحلي (ص 255، 469). فهل يمكن اعتبار الرجلين شخصية واحدة بعد ذلك؟!
كما وأن عوامل توافق الشخصيتين ذهاب كل منهما إلى مصر زمن عثمان، فإن استقراء النصوص ومعرفة تاريخها يعطي مفهومًا غير الذي فهمه النافين لوجود ابن سبأ، وبالتالي ينتصب هذا العامل دليلًا على استقلال كل من الشخصيتين، فعمار إنما بعثه عثمان إلى مصر سنة (35هـ).
بينما كان ظهور ابن سبأ سنة (30هـ) كما في الطبري (4/241)، وهو الذي ساق الخبرين، وشيء آخر وهو أن الطبري نفسه أورد أن من الذين استمالوا عمارًا في مصر قوم منهم عبد الله بن سبأ. الطبري (4/341)، وانظر أيضًا: البداية والنهاية لابن كثير (7/167) والكامل في التاريخ لابن الأثير (3/77) وتاريخ ابن خلدون (2/1034) فهؤلاء هو كبار المؤرخين وهم جميعًا أثبتوا الشخصيتين؛ شخصية ابن سبأ وشخصية عمار بن ياسر، فكيف لعاقل بعد ذلك أن يقول إنهما شخص واحد؟!
وأما قولهم بأن عمار كان يمانيًا، فكل يماني يصح أن يقال له ابن سبأ، فهذا غير صحيح، فليست سبأ إلا جزءًا من بلاد اليمن الواسعة كما قال بذلك ياقوت في معجم البلدان (3/181).
وأما قولهم بأن عمار كان يقول بأن عثمان قد أخذ الخلافة بغير حق، وأن صاحبها الشرعي هو علي، فإن هذه المقولة زَعْم يحتاج إلى دليل، بل الثابت أن عثمان رضي الله عنه كان يثق بعمار وهو الذي أرسله إلى مصر لضبط أمورها. راجع الطبري (4/341).
كما وأن التشابه في الكنى لا يجعل من الرجلين شخصية واحدة، كما وأن الظروف التاريخية وطابع كل من الشخصيتين لا تسمحان لنا بقبول هذا الرأي. وإن نظرة واحدة إلى كتب التراجم والرجال لتعطي القارئ فكرة واسعة في سبب قيام علماء الجرح والتعديل بتأليف الكتب التي تحتوي على المتشابه من الأسماء والكنى.
وشيء مهم آخر وهو أن عمار قتل يوم صفين، في حين بقي ابن سبأ إلى بعد مقتل علي رضي الله عنه، فهل بعد هذا يكون عمار بن ياسر هو عبد الله بن سبأ؟!
رابعًا: قالوا: لم يكن لابن سبأ وجود في الحقيقة، وإنما هو شخصية وهمية انتحلها أعداء الشيعة بهدف الطعن في مذهبهم ونسبته إلى رجل يهودي.
الرد: إن هذه دعوى لا تقوم عليها حجة، فكما أنكم ادعيتم هذا، فلغيركم أيضًا أن يدعي ما شاء، لكن العبرة بالحجة والدليل، فزعمكم أن هذه القصة قد اختلقها أهل السنة للتشنيع على الشيعة، ليس لها دليل، وقد كان عليكم قبل أن تلقوا بظلال الشك جزافًا – وذلك دأبكم – أن تتأكدوا على الأقل من أن هذه القصة لم ينفرد بها أهل السنة فقط، فهذا الزعم باطل لأن مصادر الشيعة هي الأخرى أثبتت – كما سلف – وجود ابن سبأ. وبهذا يسقط اعتراضكم على القصة بزعمكم أنها من مفتريات أهل السنة.
وبعد هذا الذي ذكرت وهذه الشبهات التي أبطلت، أستطيع أن أقول: إن سبب إنكار الشيعة لوجود ابن سبأ إلى عقيدتهم التي بثها وتسربت إلى فرق الشيعة، وهي عقيدة تتنافى مع أصول الإسلام، وتضع القوم موضع الاتهام والشبهة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لما للعداء التاريخي في نفوس الشيعة نحو الصحابة، ورغبة لإظهارهم بأنهم هم الذين أثاروا الفتنة بينهم.
وفي الختام يتأكد بعد استقراء المصادر سواء القديمة والمتأخرة عند السنة والشيعة أن وجود عبد الله بن سبأ كان وجودًا حقيقيًا تؤكده الروايات التاريخية، وتفيض فيه كتب العقائد، وذكرته كتب الحديث والرجال والأنساب والطبقات والأدب واللغة، وسار على هذا النهج كثير من المحققين والباحثين المحدثين.
المصدر: موقع نواحي